إعمار قطاع غزة

عامان كاملان مرا على الحرب العدوانية على قطاع
غزة، ومازال شبح الحرب ماثلا أمام أهالي القطاع الذين يعانون من حصار تفرضه
إسرائيل، ومن أوضاع اقتصادية مزرية مست جميع جوانب الحياة، لم تستطع حكومة
الأمر الواقع في قطاع غزة 'حماس' من معالجة ذلك أو القيام بمشاريع ملموسة
تعيد بناء 'على الأقل' المنازل المهدمة، حيث مازال الكثير ممن دمرت منازلهم
يعيشون في مناطق إيواء غير لائقة وفرتها وكالة الغوث أو بعض المؤسسات
الدولية، لم يعد يقبل المواطن الفلسطيني المشرد والذي دمر بيته من تأجيل
هذا الملف المرتبط أصلا بإنجاز المصالحة وإنهاء الإنقسام بتوقيع حركة حماس
على الورقة المصرية للمصالحة، 'ذات الإجماع الوطني والشعبي'، حتى تفرغ
المؤسسات الفلسطينية من تأمين وعودات الدول المانحة في مؤتمر شرم الشيخ
الذي خصص مبلغ أربعة مليارات ونصف لإعمار ما دمرته الحرب، ولا يمكن رهن هذا
المشروع الضخم والحيوي بملاحظات حركة حماس على الورقة المصرية الشكلية
والبسيطة كما يحلو للبعض أن يسميها.

أعلن رئيس الحكومة المقالة في قطاع غزة إسماعيل هنية 'بعد عامين على انتهاء
الحرب' عن إطلاق المرحلة الأولى من مشروع إعادة إعمار قطاع غزة، والتي
تتضمن إعادة بناء ألف وحدة سكنية من البيوت المدمرة، وقال إنه تم تأمين
الأموال الأزمة لذلك من حوالي 80% من عائدات ضريبة الوقود 'المهرب من مصر
عبر الأنفاق حيث يتم شرائه من مهربين بالسعر المدعوم من قبل الحكومة
المصرية' بدون الإشارة إلى شكل وزمان ومصادر تمويل المراحل الأخرى، وفي
محاولة لتبرير عدم انجاز ما اتفق عليه المانحون في شرم الشيخ قال: إننا في
ذلك الوقت قلنا لا مانع لدينا من أن تشرف هيئة مستقلة على إعادة الإعمار
بالتنسيق مع الوزارات المختصة 'في حكومته المقالة' أو أن تشرف الجامعة
العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي أو الأمم المتحدة، أو أن تشكل لجنة
مختصة من رام الله وغزة رسميا للإشراف على إعادة الإعمار، ويضيف أنه للأسف
تم تسييس الإعمار، متناسيا اشتراطات الدول المانحة ومواقفها من حركة حماس
والإنقلاب على الشرعية الفلسطينية، وأن هناك أقصر الطرق لجلب هذا التمويل
هو أن تنجز المصالحة وأن تصبح حركة حماس جزءا من النظام السياسي الفلسطيني،
كما كانت قبل انقلابها الدموي في الحكومتين العاشرة والحادية عشرة 'حكومة
التوافق الوطني'، عندها فقط تكون حكومة الوحدة الوطنية هي التي تشرف على
إعادة الإعمار والسعي لجلب وعودات الدول التي وعدت ووافقت على المشاركة
بتمويل الإعمار وفق حصص محددة، وهي مهمة صعبة تتطلب تضافر الجهود ومتابعة
حثيثة، لأن لنا نحن الفلسطينيين تجارب صعبة في إيفاء المانحين وغيرهم
بإلتزاماتهم المالية تجاه الشعب الفلسطيني عبر مؤسساته الرسمية.

مهمة إعادة إعمار قطاع غزة مهمة وطنية عليا، الجميع يجب أن يشارك فيها
القطاع الخاص الذي يجب أن نوفر له بيئة إستثمارية سوية وصحيحة، مؤسسات
رسمية وحكومة شرعية معترف بها من قبل دول العالم.

قطاع غزة يعاني منذ عام 2000 من حصار مدمر منع مواد البناء وقطع غيار
المصانع والورش من الدخول، لذلك لا يكفي الحديث عن إعادة الإعمار فقط،
فالقطاع يحتاج إلى خطة تنموية مستدامة شاملة تراعي في جوانبها تأثيرات
الحصار والخسائر الكبيرة التي أصابت مختلف نواحي الحياة منذ عام 2000،
مرورا بالدمار الذي خلفته الحرب الأخيرة والاحتياجات التنموية الطبيعية
لنمو وتزايد السكان، خطة برنامجية تستند للمعلومات التي توفرها الأرقام
الإحصائية في مختلف المجالات، وتشير بعض الدراسات إلى أن قطاع غزة يحتاج
على سبيل المثال إلى حوالي 60 ألف وحدة سكنية تلبي احتياجات أساسية للدمار
الذي أصاب قطاع الإسكان وللتطور الطبيعي والنمو السكاني، بالطبع يضاف إلى
ذلك استثمار وتطوير في البنية التحتية، ومدارس ومشافي ........ الخ.

ويشار في هذا المجال إلى ما تقوم به حركة حماس وحكومتها من توزيع أراض
حكومية على المواطنين 'مناصريها'، يشكل مشكلة مستقبلية لقطاع غزة، الذي هو
أصلا فقير بالأراضي قياسا بعدد السكان، ماذا بقي للمستقبل وللأجيال
القادمة، ماذا تبقي من الأراضي الحكومية لبناء أكثر من 60 ألف وحدة سكنية
ومرفقاتها.